كيف يرى اللاجئون السوريون العودة إلى وطنهم
بعد أكثر من 13 عاماً على الشتات السوري القسري، وتسليم اللاجئين بوضعهم الراهن بأنهم بلا وطن عادت المخاوف لتسيطر عليهم مع سقوط نظام الأسد. وقبل أن يستفق السوريون من فرحة النصر في الثامن من كانون الأول الحالي ويلتقطوا أنفاسهم فوجئوا بقرارات صادمة. ففي أقل من 24 ساعة بعد سقوط النظام، أعلنت معظم الدول الأوروبية عن تجميد طلبات لجوء السوريين لمدة ستة أشهر، إلى جانب اقتراحات بوقف تمديد الإقامات المؤقتة ودراسة تعليق لمّ شمل العائلات. هذه القرارات، ألقت بظلال قاتمة على حياة اللاجئين الذين يعيشون تحت وطأة القلق بشأن مستقبلهم المجهول.
وعلى الرغم من أن العودة إلى الوطن كانت حلماً مشتركاً لكثيرين، إلا أن الواقع يفرض تعقيدات أكبر، حيث تُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الظروف ستكون مهيأة لعودة آمنة، أم أن الوطن سيظل ساحة للمعاناة التي قد تستمر لسنوات طويلة.
وفي حين استشعر السوريون العديد من التغييرات الإيجابية فوَر سقوط النظام، إلا أن غموض المستقبل وصعوبات المرحلة الانتقالية شوّشت مشاعرهم، لتتحوّل البهجة بنصر الثورة والخلاص من الطاغية إلى قلق عميق. يقول أحدهم: “سوريا اليوم تعيش عرساً كبيراً، لكن الجميع في حالة ترقب وخوف من الغد”.
تشكّل السلطات الجديدة مصدر قلق كبير لكثيرين، إذ لا تزال توجهاتها وأهدافها غامضة. هل ستكون قادرة على تجاوز إرث عقود من الفساد والاستبداد والقمع؟ أم ستعيد إنتاج دوامة جديدة من الظلم؟ هذا السؤال يؤرق اللاجئين الذين يتابعون التطورات عن كثب.
إلى جانب ذلك، يقف الانهيار الاقتصادي كحاجز آخر أمام أي أمل مشرق بالعودة. التضخم المتسارع، وندرة الموارد، والبنية التحتية المدمرة كلّها عوامل تجعل من إعادة بناء الحياة في سوريا تحدياً هائلًا. يقول أحمد، وهو لاجئ سوري يقيم في ألمانيا منذ 4 أعوام: “عندما غادرت سوريا، كان الأمر صعباً جداً، لكن لم يكن أمامي خيار آخر. الآن، بعد كل ما عانيته هنا خلال رحلة اللجوء والخوض في هذه البلاد الباردة والاندماج مع قوانينها وأهلها، لا أستطيع أن أتخيّل العودة إلى وطن مدمر لا أملك فيه شيئاً. حتى لو تغيّر النظام، فإن بناء حياة جديدة هناك يبدو مستحيلاً”.
تحديات البداية من الصفر
يتحدّث اللاجئون عن صعوبة إعادة بناء حياتهم من جديد، خاصة أن السنوات الماضية كانت كفيلة باستنزاف مواردهم النفسية والاقتصادية. كثير من العائلات باعت منازلها وممتلكاتها لدفع تكاليف الهروب من سوريا، ولا يمتلكون الآن أي شيء للعودة إليه. تروي مريم، لاجئة سورية في هولندا، قصتها بحزن لـتلفزيون سوريا: “عائلتي باعت منزلنا في دمشق وكل شيء نملكه لتغطية تكاليف السفر. لم يتبقَ لنا شيء في سوريا. حتى لو أردنا العودة، فلا نملك ما يضمن لنا الاستقرار. أشعر أننا سنظل غرباء أينما ذهبنا”. وتضيف أن زوجها، الذي بدأ بالعمل حديثاً في إحدى المصانع الأوروبية، يخشى من عدم تجديد الإقامة المؤقتة للأسرة وبالتالي سيذهب تعب الـ 5 سنوات سدىً.
في حين يقول (أبو مجد) من حمص وهو لاجئ سوري في النمسا “عندما غادرنا سوريا، كنا نحمل أملاً بأننا سنعود قريباً. لكننا اضطررنا لبيع كل شيء نملكه حتى نتمكن من الوصول إلى أوروبا. الآن، لا نملك شيئاً هناك. حتى بيتنا دُمر في القصف. كيف يمكننا أن نبدأ من جديد في وطن لا يحمل لنا سوى الذكريات المؤلمة؟”.
الآثار النفسية والاجتماعية
إلى جانب الأعباء الاقتصادية، يعاني السوريون من ضغوط نفسية كبيرة نتيجة التجارب التي مروا بها. الخوف من العودة قد يكون سببه الخشية من فتح جراح الحرب وفقدان الأحبة، فضلاً عن القلق من الرفض الاجتماعي بعد غيابهم الطويل. يقول سامر، شاب حلبي في العشرينات يعيش في ألمانيا: “لقد أمضيت أكثر من نصف عمري خارج سوريا. من لبنان إلى تركيا إلى أوروبا، لا أعرف كيف ستكون الحياة إذا عدت الآن إلى سوريا. أشعر أنني لن أنتمي إلى أيّ أرض”.
هذه المشاعر ليست حكراً على سامر، بل تعكس حالة آلاف اللاجئين السوريين الذين يعيشون في حالة اغتراب مزدوجة: اغتراب في بلاد اللجوء، واغتراب عن وطنهم الذي تغيّر كثيراً خلال سنوات غيابهم.
التحديات الاقتصادية والبنية التحتية المدمرة
حتى لو أراد اللاجئون العودة إلى سوريا، فإن الواقع هناك يجعل الأمر شبه مستحيل. الاقتصاد في حالة انهيار، البنية التحتية شبه معدومة، والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم ما تزال في وضع مأساوي. يضاف إلى ذلك أن كثيراً من العائدين لن يجدوا منازلهم، حيث دُمّرت أو استولت عليها ميليشيات النظام.
تحكي ليلى، وهي أم لطفلين تعيش في الدنمارك: “ابني ولد هنا ولم يرَ سوريا قط. كيف أشرح له أننا قد نعود إلى مكان لا يحتوي حتى على الحد الأدنى من مقومات الحياة؟ العودة تعني أن نفقد كل شيء مرة أخرى، ربما إلى الأبد”.
يعلّق سامر “القرارات الأوروبية المفاجئة وضعت اللاجئين في مواجهة خيار صعب: العودة إلى وطن غير مهيأ للاستقرار أو البقاء في أوروبا وسط غموض قانوني وشعور متزايد بعدم الترحيب. وفي كلتا الحالتين، يبدو أن معاناتنا لم تصل بعد إلى نهايتها”.
شارك هذا المقال
تلفزيون سوريا